شواهد النّار: شهادات من الفنّ العربيّ.

شواهد النار هو أوّل معرض جماعي ينظّمه ملتقى دلّول للفنانين (DAC) بالتعاون مع مؤسسة رمزي وسائدة دلّول للفنون (DAF). وبتنسيق الدكتور باسل دلّول، يجمع المعرض أكثر من عشرين فنّانًا تعبّر أعمالهم الفنية عن المجازر، والحروب، والنزوح، محوّلةً بذلك الدمار إلى شهادات وروائع فنية.

تتوسّط المعرض الجدارية المنسوجة بعنوان مجزرة صبرا وشاتيلا 2018 للفنان ضياء العزْاوي، لتكون المرة الأولى التي تُعرض فيها أمام الجمهور. أُنجز هذا العمل أساسًا بين عامَي 1982 و1983 كجدارية ضخمة متعددة اللوحات، وجاء استجابةً لمجزرة بيروت، ولطالما اعتُبر هذا العمل معلمًا بارزًا في الفن العربي الحديث، إذ غالبًا ما أُطلق عليه اسم "غيرنيكا العرب". وبتكليف من مؤسسة رمزي وسائدة دلّول للفنون (DAF) لمصنع الأنسجة الملكي في مدريد Real Fábrica de Tapices in Madrid، نُسجت الجدارية على مدار أربع سنوات بمشاركة أكثر من ثلاثين حرفيًّا، لتحوّل بالتالي الورق الهشّ إلى خيوط متينة، مؤكّدةً أنّ صرخة العزّاوي ضدّ هذه الفظائع ستتناقلها الأجيال، وتتجاوز الحدود الجغرافية.

وحول هذه التحفة الفنية الضخمة، ينقسم المعرض إلى أربع مسارات، هي صدمة الفاجعة، والأطلال التي خلّفها الدمار، ثم الأسلحة والمواد العدائية المُعاد ابتكارها كنُصب تذكارية، وأخيرًا نبوءات الصمود التي تحمل في طياتها أثر النار الذي يصبح رؤية بذاتها. والنار هنا لا تعكس قوّتها المدمّرة فحسب، بل تظهر قدرتها على التحوّل، إذ إنّها تشكّل الفولاذ، وتنسج الخيوط، وتُشعل الذاكرة.

يضمّ المعرض أعمال فنية لعدد من الفنانين، منهم يوسف عبدلكي، ضياء العزّاوي، أيمن بعلبكي، سعيد بعلبكي، سيروان باران، جان بوغوصيان، تغريد درغوث، شوقي فرين، محمود حماد، عناية حديب، محمد القاسمي، سليم القاضي، ممدوح قشلان، عبد الرحمن قطناني، سليمان أنيس منصور، نذير نبعة، محمود العبيدي، فيصل لعيبي صاحي، مروان سحمراني، عاصم أبو شقرة، هادي سي، ألفريد طرزي، وكاتيا طرابلسي. ويؤدّي كل عمل منها دور شاهد مادي، سواء أكان منقوشًا، أو محروقًا، أو منسوجًا، أو حتى مبلورًا، وذلك استجابةً لكل من العنف والصمود.

أُجريَ المعرض في مقرّ ملتقى دلّول للفنانين (DAC) في مبنى ستون غاردن في بيروت، حيث حوّل شواهد النار المساحة الفنية المخصصة للملتقى إلى مكان للتذكر وتحمّل المسؤولية. إنّ هذه الأعمال الفنية لا تجسّد التاريخ فحسب، بل تشهد عليه، إذ تدعو كلًّا منّا إلى إدراك أنّ النار ليست من الماضي، بل ما زالت تصوغ الحاضر، وترسم ملامح المستقبل.

ويعبّر هذا المعرض الجماعي الأول لملتقى دلّول للفنانين (DAC) عن التزامنا بالسرديات التي يوجّهها الفنانون، والحوارات القائمة بين الأجيال، كما الأعمال الثقافية المتجذّرة في المنطقة. ويأتي هذا المعرض لإحياء الذكرى والنداء إلى التحرّك في آن. وأكثر من ذلك، إنّه إصرار على أن تبقى تلك الشهادات التي يحملها كل عمل فني، عاكسةً بذلك صمودها في وجه الصمت والمحو.