الهروب إلى الفرح

معرض فردي للفنان فوزي بعلبكي

يدشّن ملتقى دلّول للفنّانينDACبفخربرنامجه بمعرضٍ فرديّ للفنّان اللّبنانيّ البارز فوزي بعلبكي، بعنوان "الهروب إلى الفرح". يُقام المعرض في مبنى ستون غاردن الحائز على جوائز، من تصميم المعماريّة اللّبنانيّة لينا غضّوم، وهو فضاء يعبّر بجماليّاته عن التزام ملتقى دلّول للفنّانينDACبالاستمراريّة والرّعاية والدّعم الثّقافيّ الهادف. واجهة المبنى الإسمنتيّة المشكّلة يدويًّا، والموقَّعة بروح غضّوم المعماريّة، تستحضر ذاكرة بيروت المُرهَقة، وتُجسّد مهمّة المجموعة بلغة مادّيّة متجذّرة في التّاريخ والتّجديد.

 

في هذا الإطار، يُقدّم معرض "الهروب إلى الفرح" مجموعةً من أحدث أعمال بعلبكي من لوحات تعبيريّة، نابضة، عاكسة عمق الشّعور الإنسانيّ، تتجلّى فيها مفردات بصريّة تستمدّ جذورها من ذاكرته الشّخصيّة، ونضال السّياسيّ، وسعيه الدّائم نحو النّور. يضمّ المعرض نحو ٥٥ عملًا معلّقًا على جدران ملتقى دلّول للفنّانينDAC  الإسمنتيّة الخام، تتألّق بالألوان المُشعّة، والشّخصيّات المتداخلة، والخطوط الجريئة المستوحاة من فنّ الخطّ، فتجمع بين البُعد النّحتيّ والتّأثير العاطفيّ المباشر. وعلى الرّغم من البُعد التّجريديّ أو الطّفوليّ الظّاهر في التّركيبات، إلّا أنّها مشبعة بالدّلالات، وتشير إلى عقودٍ من الحرب والتّهجير والمقاومة والصّمود.

 

يتميّز هذا المعرض بطابع شخصيّ عميق. ففي عقده الثّامن، يستذكر بعلبكي لغة بصريّة بدأ بصياغتها في باريس في ثمانينيّات القرن الماضي، حين تحرّر من واقعيّة الصّورة وبدأ بالتّجريب في الخطّ التّعبيريّ، والشّكل المُبسّط، والبنية المُحكمة. وتنبض أعماله الأخيرة، الّتي أنجز الكثير منها بمؤازرة نجليه الفنّانينأيمن وسعيد بعلبكي، بالضّوء والوضوح. وقد تولّى كلّ من أيمن وسعيد تنسيق المعرض، فأتاحا من خلاله نافذةً حميمة تلقي الضّوء على تطوّر تجربة والدهما الفنّيّة. وتُجسّد المعاني المتعدّدة في هذه الأعمال توازنًا دقيقًا بين التّوجّه الإيديولوجيّ والتّعبير الذّاتيّ.

 

يُعرض خلال المعرض، فيلمٌ وثائقيّ حواريّ أخرجه الفنّان سِروان باران، الّذي يجمعه بفوزي بعلبكي سنواتٍ من التّبادل الفكريّ والفنّيّ امتدّت على مدى خمسة عشر عامًا. في هذا الحوار الشخصيّ، يستعيد بعلبكي ذكريات الطّفولة، ويتأمّل في تأثيرات فنّيّة لفنّانين تركوا بصمتهم فيه مثل رفيق شرف، جواد سليم، وشاكر حسن آل سعيد، ويتطرّق إلى تطوّر أسلوبه من خلال صلته بفنون الخطّ، والنّحت، والتّعبير المعاصر. يقول بعلبكي عن الطّيف العاطفيّ لأعماله:

في معظم لوحاتي، أنا أركض نحو الفرح، أهرب من داخلي لأنّني لم أعد قادرًا على مواجهة المأساة وجهًا لوجه. لذلك ألمّح إليها في لوحاتي، لكنّني لا أغوص في ذاك الظّلام... لوحاتي تتمحور في جوهرها حول التّجربة الإنسانيّة".

كما يُعرض أيضًا فيلم قصير أعدّه حفيده علي بعلبكي، كتشبيك بين الأجيال ومساهمة تُضفي مزيدًا من العمق ويُوسّع أفق السّرد الفنّيّ في المعرض، مُضيئًا مسار الذّاكرة واستمراريّة الخلق.

 

ويُرافق المعرض الرّئيسيّ ركنٌ توثيقيّ بانوراميّ يسلّط الضّوء على جذور تجربة فوزي بعلبكي، ويضمّ مجموعة من أعماله الأولى، ورسوماتٍ تحضيريّة، وعددًا من التّماثيل النّصفيّة الّتي نحتها أصدقاء مقرّبون، إلى جانب بورتريهات أنجزها شقيقه الفنّان عبد الحميد بعلبكي، والفنّان سِروان باران. تُسلّط هذه الأعمال الضّوء على محاور فنّيّة وسياسيّة وشخصيّة صاغت مسيرته على مدى العقود، وتوفّر سياقًا بصريًّا وشعوريًّا للغة فنّيّة تتجلّى في "الهروب إلى الفرح".

 

وفي سياق التزام ملتقى دلّول للفنّانينDAC  بتعزيز صوت الفنّانين العرب من خلال الحوار والتّوثيق والعرض، يُمثّل هذا المعرض دعوةً لاحترام الإرث الفنّيّ، وفي الوقت عينه، يدعو إلى فتح آفاق جديدة للإبداع عبر الأجيال.

July 3, 2025