يرفانت هواريان Yervant Hawarian فنّان لبنانيّ من أصل سوريّ أرمنيّ. وُلد في 25 تشرين الأوّل 1949 في مدينة القامشلي Quamishliشمال سوريا. كان جدّه من النّاجين من الإبادة الأرمنيّة، وقد أسّس مطحنة طحين لاقت نجاحًا كبيرًا في القامشلي، وورثها لاحقًا والد هواريان، كيفورك Kevork. بدأ يرفانت الرّسم منذ طفولته، وتتلمذ على يد فنّان محلّي يُدعى أفيديس Avedis، عُرف برسمه ملصقات الأفلام، وسرعان ما سلك هواريان مسارًا مشابهًا لمعلّمه.
غير أنّ حظوظ العائلة تبدّلت حين تمّ تأميم تجارتها في إطار الإصلاحات الاقتصاديّة خلال عهد جمال عبد النّاصر إبّان دولة الجمهوريّة العربيّة المتّحدة، ما اضطرّها إلى الفرار إلى لبنان. استقرّت العائلة في حيّ برج حمّود الأرمنيّ، وافتتحت مصنعًا لصناعة الأحذية. وعلى الرّغم من طموحات يرفانت الفنّيّة المبكّرة، فقد تصوّرت عائلة هواريان مستقبلًا مختلفًا تمامًا له. إذ توقّع والده، كيفورك، من أبنائه العمل في المصنع للمساهمة في إعالة الأسرة. رَفْض الوالد لطموحات ابنه الفنّيّة وعدم رضاه عنها دفعا الفنّان الشّاب إلى مغادرة المنزل العائليّ وهو في الخامسة عشرة من عمره، عازمًا على شقّ طريقه كفنّان.
وجد هواريان المأوى في عالم السّينما الّتي فتحت فرصها الأبواب أمامه. فجاءت أوّل تكليفاته الكبرى من سينما مادونا في برج حمّود عام 1964. وبدلًا من أجرٍ مالي، سُمِح له بالنّوم داخل صالة العرض. وسرعان ما لفتت أعماله انتباه صالات سينما أخرى في الجوار. وبحلول عام 1966، كان يرسم لصالات عرض في مختلف أرجاء برج حمّود، من بينها كنار، وسالومي، وعازار، قبل أن يتوسّع في أعماله لاحقًا إلى بلازا، وأريزونا، ورويال، وكرمانيك. بعد أن ذاع صيته محليًّا، استعاد احترام أسرته واعتزازها به، وقد غمرها الفخر بعدما أصبح اسم "هواريان" محطّ إعجاب الجمهور.
في أواخر ستينيّات القرن العشرين وبدايات السّبعينيّات، توسّع هواريان بثبات إلى بيروت وطرابلس ومدن لبنانيّة أخرى. وكان أوّل تكليف له في العاصمة عام 1966 من سينما ريفولي، حيث أنجز صورة ضخمة بارتفاع 14 مترًا لطفل، ترويجًا لفيلم طفل الخطيئة The Child of Sin. ومع اتّساع نشاطه، افتتح الفنّان مرسمًا في وسط بيروت قرب شارع دمشق، كما أنشأ ورشة أكبر داخل سينما رويال في برج حمّود. في ذروة نشاطه، كان مرسمه يضمّ أكثر من خمسة عشر مساعدًا يتولّون تحضير اللّوحات، وشدّ القماش، وتطبيق الألوان الأساسيّة.
يبرز أسلوب ليرفانت هواريان البصريّ بفرادة تميّزه؛ إذ يجمع بين خلفيّات مسطّحة جريئة الألوان وتباينات لونيّة قويّة، مع تجسيدات تشخيصيّة توازن بين الواقعيّة والمبالغة الكاريكاتوريّة. وغالبًا ما تظهر شخصيّاته بإضاءة مسرحيّة أو بهيئة أيقونيّة، مع ملامح تعبيريّة ووضعيّات ديناميكيّة تعكس جذوره المرتبطة بالسّينما والإعلانات المرسومة يدويًّا. وسواء عمل على جداريّات ضخمة أو ملصقات أفلام أو حتّى أعمال صغيرة الحجم، فإنّ هواريان يحافظ على دقّة تصويريّة تستحضر الذّاكرة الشعبيّة بقدر ما تُجسّد التّأثير البصريّ الفوريّ.
مستفيدًا من نجاحه المتنامي في مجال السّينما، توسّع عمل هواريان عام 1971 ليشمل إدارة الصّالات، فاستحوذ على سينما رويال، ثمّ توسّع لاحقًا ليُدير أربع صالات أخرى بينها واحدة في طرابلس. جعلته ثنائيّته كرسّام ملصقات وصاحب صالات سينما يحتلّ مكانة فريدة في هذا المجال، وجذب إليه تقديرًا من موزّعي الأفلام كما من شركائه في إدارتها.
بالتّزامن مع عمله في السّينما، أنجز هواريان أعمالًا بتكليف من شخصيّات سياسيّة لبنانيّة بارزة، بدءًا من عدنان الحكيم عام 1966 وكميل شمعون عام 1970. ومع مرور السّنين، أصبح الرّسّام الرّسمي لخمسة رؤساء متعاقبين: إلياس سركيس، بشير الجميّل، أمين الجميّل، إلياس الهراوي، وإميل لحّود. شملت أعماله البورتريهات التّقليديّة وأعمال فنّيّة موّلتها الدّولة أو الأحزاب السّياسيّة. واستمرّ نشاطه خلال تسعينيّات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، مع لوحات لشخصيّات سياسيّة بارزة مثل نبيه برّي ورفيق الحريري.
عام 1992، امتدّت أعمال هواريان السّياسيّة إلى سوريا، حين عرّفه الرّئيس اللّبناني إلياس الهراوي إلى حافظ الأسد. وقد فتح ذلك الباب أمام أكثر من عقد من المهام الفنّيّة من عائلة الأسد، شملت بورتريهات لباسل وبشّار وماهر الأسد. أمّا عمله السّوريّ الأضخم، فكان لوحة جداريّة بارتفاع 45 مترًا تُصوّر حافظ الأسد بذراعين ممدودتين.
في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، بدأ هواريان بتلقّي أنواع أخرى من المهام الفنّيّة، فأنجز جداريّات لعدد من الكنائس في مختلف أنحاء لبنان. وكان أبرزها الجداريّة الّتي نفّذها عام 2005 في كاتدرائيّة مار إلياس ومارغريغوريوس المنوّر الكاثوليكيّة الأرمنيّة في الصّيفي. رسم على جدار الكنيسة صورًا للمسيح، والقدّيس إلياس، والقدّيس غريغوريوس المنوّر، بأسلوبه الخاص المميّز بخلفيّات مسطّحة جريئة الألوان، وتباينات قويّة، وشخصيّات تجمع بين الواقعيّة والمبالغة الكاريكاتوريّة.
وفي العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين، تلقّى هواريان دعوة من شركة L’Orient 961 المتخصّصة في إنتاج التّذكارات، لإنجاز سلسلة من الأعمال بمادّة الأكريليك. جاءت هذه السّلسلة على شكل صناديق خشبيّة مرسومة يدويًّا، أعاد من خلالها ابتكار ملصقاته السينمائيّة الأصليّة حيث أنّ الكثير منها كان قد فُقد أو دُمّر أو حُجِب بإعلانات أحدث. نُفّذت بالأكريليك الزّاهي وبأسلوب هواريان المميّز: مسطّحات لونيّة جريئة، تباينات قويّة، وشخصيّات تعبيريّة، مثّلت الصّناديق مزيجًا من الحنين والحداثة في تحيّتها للسّينما العربيّة والثّقافة الشّعبيّة. تميّزت بعض الأعمال بأيقونات مثل أم كلثوم وعبد الوهاب في عمل عمالقة مصر Giants of Egypt (2012)، المحفوظ ضمن مجموعة رمزي وسائدة دلّول للفنون DAF.بينما قدّم بعضها الآخر تركيبات جديدة بالكامل مثل سجّاد Carpet(2012) المستوحى من الزّخارف الفارسيّة، وساحة البرج Burj Square (2012) الّتي صوّرت ساحة الشّهداء في بيروت بأسلوب نابض ومبسّط. جسّدت هذه السّلسلة جسرًا بين الماضي والحاضر، إذ مزجت الذّاكرة المحفوظة والتّأويل المرح، في هيئة مدمجة تصلح للاقتناء.
عام 2023، شرع الفنّان في إنجاز سلسلة من ملصقات الأفلام، مستعيدًا الأسلوب الّذي أبدعه في بدايات مسيرته. شملت هذه السّلسلة أعمالًا بالأكريليك لأفلام سبق أن أنجز لها ملصقات، مثل دكتور جيفاغو Doctor Zhivago(2023) المأخوذ عن فيلم عام 1965، إلى جانب ملصقات لأفلام ارتبط بها وجدانيًّا في شبابه وصَدرت قبل دخوله المجال، مثل ذهب مع الرّيح Gone with the Wind (2023) وكازابلانكا Casablanca (2023). هذه الأعمال الثّلاثة محفوظة ضمن مجموعة مؤسّسة دلّول للفنون DAF. استندت بعض الأعمال إلى حدّ بعيد إلى ملصقاتها الأميركيّة الأصليّة، بينما اتّسمت أخرى، كملصقه لفيلم كازابلانكا Casablanca، بفرادة تامّة لا تمتّ بصلة إلى النّسخ الغربيّة. يعرض هواريان، في هذا التّكوين، لقطة رومانسيّة مقرّبة تجمع هامفري بوغارت Humphrey Bogart وإنغريد برغمان Ingrid Bergman، بملامح وادعة تحتضنها زخرفة جريئة متموّجة الحواف بألوان الأصفر المغرّي والأسود والفيروزيّ والأبيض، فتستدعي إلى الذّهن الأشكال المُكلّلة في الأيقونات الدّينيّة. إلى اليسار، يظهر تمثال نصفيّ لبول هنريد Paul Henreid بألوان باردة أحاديّة، يحتلّ موقعًا بصريًّا ثانويًّا أمام الصّورة المركزيّة المتوهّجة. ويظهر عنوان كازابلانكا Casablancaفي أسفل الملصق بحروف سوداء وأصفر مغرّي مرسومة يدويًّا، فيما كُتبت أسماء الممثّلين بالأحمر أعلاها. اعتاد هواريان غالبًا أن يُكيّف ملامح الوجوه ولغة الجسد لتتوافق مع الأذواق الجماليّة للجمهور اللّبنانيّ، بما في ذلك "تَعريب" بعض السّمات كتكبير أنف بوغارت، لجعل الصّور أكثر ألفة وقدرة على إثارة التّأثير العاطفيّ.
على امتداد مسيرته، أنجز هواريان بورتريهات ولوحات دعائيّة لأبرز رموز الغناء والتّمثيل، من عبد الحليم حافظ وصباح وأم كلثوم إلى فيروز وعادل إمام. وقد شكّلت أعماله المرسومة يدويًّا دورًا محوريًّا في التّرويج للأفلام والحفلات في الحقبة السّابقة للعصر الرّقميّ في العالم العربيّ.
يعيش هواريان اليوم في بيروت، لبنان، حيث يواصل عمله بين أفراد عائلته. ويكرّس جهده حاليًا لإنجاز سلسلة من اللّوحات تستعيد ملامح بيروت في شبابه، أي في منتصف القرن العشرين.