Biography
"I think my work doesn’t only talk to the intellect. It goes deeper in the subconscious and the emotion of the viewer" — Marwan Sahmarani

مروان سحمراني رسام لبناني، وفنان متعدّد التخصّصات، تتناول أعماله موضوعات العنف، والسلطة، والأساطير. وُلد في بيروت عام 1970، ونشأ خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت من عام 1975 لغاية عام 1990. وقد ترك هذا النزاع أثرًا عميقًا في طفولته، وساهم في تشكيل مخيّلته. فأصبحت الحرب، وعدم الاستقرار، وهشاشة الحياة من القضايا الأساسية في ممارسته الفنية، ما منحه قناعة راسخة بأن الرسم قادر على معالجة التاريخ والظروف الإنسانية بشكل مباشر.

 

منذ طفولته، لجأ سحمراني إلى الرسم، وسرد القصص كوسيلة لفهم العالم من حوله. وأصبح الفن طريقته لإيجاد المنطق في الفوضى، وهي عادة ما لبثت أن تحوّلت إلى مهنته. بعد مغادرته لبنان، تابع دراسته في فرنسا، في مدرسة الدراسات العليا للفنون والتصميم في سانت إتيان École Supérieure d’Art et de Design de Saint-Étienne ، حيث تلقّى تعليمًا أكاديميًّا في الرسم، وتعرّف على إرث الحداثة الأوروبية. وقد ساهم التنقّل بين لبنان وأوروبا في منحه منظورَين متوازيَين، الأول عن واقع النزاع في وطنه، والثاني عن دروس تقاليد الرسم الغربي. فتعلّم من خلالها أن يجمع ما بين هذه التأثيرات، مطوّرًا ممارسة تتخطى الحدود الثقافية.

 

خلال التسعينيات، اعتمد سحمراني أسلوبًا تصويريًّا واقعيًّا صقل فيه مهاراته التقنية. ومع مطلع الألفية الثانية، بدأ يُحرّر أسلوبه أكثر، واصفًا إيّاه حينها بـ"القذر"، بما يحمله من ضربات فرشاة كثيفة، وألوان سميكة، وتشويه متعمّد. وغالبًا ما جمعت لوحاته بين تصوير الشخصيات والتجريد، مستخدمًا الإيماءات الملحّة، والألوان الصارخة بإفراط لنقل حدّة المشهد.

 

شكّل عمل مروان "الدكتاتوريون The Dictators" المُنجز عام 2006، نقطة تحوّل في مسيرته الفنية، وهو جزء من سلسلة أعمال مؤلّفة من صور بشعة لقادة استبداديين. وقد سخِرت هذه الأعمال من السلطة السياسية، طارحةً العنف كعرض مسرحي بقدر ما هو تجربة إنسانية. وواصل هذا النهج في عمله "العودة الأزلية للشيء نفسه The Eternal Return of the Same" عام 2007، بحيث تطرّق إلى الاستبداد كدورة متكرّرة أكثر منه كحدث تاريخي منفرد. وأدّت هذه الأعمال إلى ترسيخ موقعه كرسّام منخرط سياسيًّا، ومستعد لمواجهة السلطة والأساطير وجهًا لوجه.

 

وفي العقد الذي تلا هذه الأعمال، زاد سحمراني تعمّقه في هذا المسار. فقدّم سلسلتين من الأعمال بعنوان "علي بابا والأربعون حراميًا Ali Baba and the Forty Thieves" عام 2009، و"الدكتاتوريون – جزء ب The Dictators B" في عام 2011، حيث التقت الحكايات الشعبية بالنقد السياسي، فحوّلت الحشود، والغوغاء، والقادة إلى مشاهد شبه مسرحية للانهيار. وأظهرت هذه الأعمال ميله إلى أسلوب الرسم الغرائبي (grotesque)، وذلك من خلال لجوئه إلى أسلوب المبالغة والإفراط ليعكس مظاهر عدم الاستقرار والفساد.

 

بحلول منتصف العقد الثاني من الألفية، عاد سحمراني إلى بيروت بعدما أمضى سنوات عدة في الخارج، تخلّلها قضاء فترة بارزة في إسبانيا. وقد أتاحت له تلك السنوات التي أقام فيها في إسبانيا بالابتعاد عن أجواء لبنان، كما فتحت له آفاقًا واتجاهات جديدة في عمله. فالتنقّل بين بيروت وإسبانيا منح ممارسته الفنية بعدًا عابرًا للحدود، إذ زاول الرسم بمنظور انطبع فيه تاريخ لبنان العنيف، لكنه مستمَدّ من التقاليد الأوروبية في الوقت عينه، ما سمح له بإدراج موضوعات الوحشية، والهشاشة، والقدرة على الصمود ضمن إطار عالمي.

 

أما أعماله الفنية الأخيرة، فتعالج الأزمات المستمرة في لبنان، بدءًا بالانهيار الاقتصادي، ووصولًا إلى انفجار المرفأ عام 2020. ففي عمله "صورة ذاتية أمام مرآة متّسخة Dirty Mirror Selfie" المُنجز عام 2024، تنعكس الأجساد المشوّهة والألوان الصاخبة، لتكشف عن نرجسية الحياة المعاصرة وهشاشتها.⁷ فيصوّر هذا العمل مجتمعًا عالقًا بين المشهدية والانهيار، عاكسًا تناقضات لبنان الحديث.

 

وتبلغ هذه المخاوف ذروتها في عمل "صمتّ لا يزول The Silence That Remains" 2024، وهو عبارة عن لوحة ضخمة تُعد من أكثر أعمال سحمراني طموحًا. تنقسم هذه اللوحة إلى جزأين. على اليمين، تظهر كومة من الجثث التي تستحضر مقابر جماعية، وتضع المُشاهد في مواجهة رعب الموت الجماعي. أما على اليسار، فتتراكم أشكال عنيفة ومبهمة، موحيةً بفوضى لا حلّ لها. يتأمل العمل في الإبادة والعنف الممنهج، لكنه لا يرتبط بحدث واحد فحسب، بل يجعل من الصمت موضوعه الأساسي: صمت التاريخ، وصمت الموت، وصمت السلطة.

 

بالنسبة إلى سحمراني، لا يُعد الصمت فراغًا، بل حضور. إنه ثقل ما لا يُقال، والوقفة القصيرة التي تلي العنف، والمحيط الذي تبقى فيه الذاكرة عالقة. في هذه اللوحة، يحتضن الصمت كلًّا من الوضوح والغموض. فلا يمكن للمُشاهد أن يغفل عن كتلة الجثث المروّعة، ومع ذلك يقاوم المحيط أي تفسير ثابت. تترك اللوحة الجمهور في حالة من القلق، عالقين بين الإدراك والغموض.

 

وباعتماده هذا النهج، يعكس الفنان سمة أوسع في فنه، فهو يتجنّب طرح معنى واحد وثابت، فتفسح أعماله بالتالي المجال لتفسيرها بطرق متعدّدة، تاركةً المُشاهد في حالة التباس. لا يروي سحمراني قصصًا مباشرة، بل يضع الناس في مواقف مُربكة، عالقين بين الانجذاب والنفور، وبين الوضوح والشك. ويؤمن بأن قوة الرسم تكمن هنا، وتحديدًا في دفع المتلقي لمواجهة تقلّبات مشاعره، وتقلّبات العالم من حوله على السواء.

 

طوال مسيرته الفنية، عاد سحمراني إلى مواضيع الدين، والجنس، والأساطير، عاكسًا إياها من خلال العنف والجسد. وغالبًا ما تجتمع الوحشية مع الألوان الزاهية في لوحاته، محوّلة المواد المروّعة إلى صور مُربكة وآسرة في آنٍ. إنّ أسلوبه يعتمد على المادة والحدس، إذ يتعامل مع اللوحة من دون مخطط مسبق، تاركًا للإيماءة، والصدفة، واللون، الحرية في توجيه عملية الرسم. فيعكس هذا الانفتاح إيمانه بأن الفن ينبغي أن يزعزع أكثر منه يفسّر مضمونه.

 

واليوم، يعيش سحمراني ويعمل بين بيروت وإسبانيا. وتعكس ممارسته الفنية حياة حافلة بالتفاوض على تاريخ العنف، والنزوح، والصمود. وبدءًا بعمله "الدكتاتوريون The Dictators"، ووصولًا إلى عمل "صمتّ لا يزول The Silence That Remains"، تحوّل أعماله الصدمة إلى حقول تفيض بالألوان، وتنبض بالحركة. وبتجذّره في تاريخ لبنان المتضعضع، وانخراطه في الحداثة العالمية، تشدّد أعماله الفنية على الغموض، والصمت، وعدم الاستقرار. فتجسّد بالتالي قناعته بأن الرسم قادر على كشف وحشية الصراع كما الجمال المقلق الكامن فيه.

 

Works
The Silence That Remains , 2024