Biography
"I am one with metal" — Abdul Rahman Katanani

 

وُلِدَ الفنّان الفلسطينيّ المعاصر في الفنون البصريّة عبد الرحمن قطناني عام 1983 في مخيم صبرا للّاجئين في بيروت، لبنان. بعد نكبة عام 1948، فرّ أجداده من مدينتهم يافا في فلسطين واستقرّوا في مخيم شاتيلا للّاجئين في بيروت. كلاجئ من الجيل الثّالث، تربّى عبد الرحمن في مخيّم صبرا حيث تلقّى تعليمه الابتدائيّ في مدرسة المقاصد الخاصّة في بيروت، ثمّ في مدرسة تديرها الأونروا في المخيّم . بدأ عبد الرّحمن، من عمر الثّامنة، العمل مع والده النّجّار حتّى انهى دراسته المدرسيّة والتحق بالجامعة اللّبنانيّة. من خلال دراسته الجامعيّة، حصل على دبلوم الفنون الجميلة من الجامعة اللّبنانيّة في بيروت عام 2007، وعلى درجة الماجستير في الفنون الجميلة عام 2012 في الفن الفلسطينيّ المعاصر. أَشْرَفَ، بين عامَي 2008 و2012، على القسم الإبداعيّ في تلفزيون القدس في بيروت. وفي عام 2012، منحته مؤسّسة لا سيت دي زار في باريس إقامة فنّيّة لمدّة ثلاثة أشهر، تلتها إقامة فنية أخرى لمدّة خمسة عشر شهرًا في عام 2013، وإقامة فنّيّة لمدّة ثلاثة أشهر في عام 2016. كما قدّم له مركز الفنون المعاصرة "فنت دي فورست" في موز، فرنسا، إقامة فنّيّة لمدّة شهرين في عام 2017 .

وُلد قطناني في عالم من الفقر والصّدمات. قبل ولادته بعام، في سبتمبر من عام 1982، وبعد الغزو الإسرائيليّ للبنان، ارتكبت ميليشيا لبنانيّة مسيحيّة واحدة من أكثر المجازر المروّعة ضدّ الفلسطينيّين في مخيّمَي صبرا وشاتيلا بالتّعاون مع الجيش الإسرائيليّ، حيث ذُبِحَ ما يقرب من ألفَي لاجئ، معظمهم من النّساء والأطفال والمسنّين. يصرّح قطناني قائلًا: "فَقَدَتْ اثنتانِ من عمّاتي أزواجهما في المجزرة" ثمّ يوضّح: "لا يعرفون حتّى الآن ما حدث للجثث، والكثير من أصدقاء عائلتي قُتلوا أيضًا". أمّا والداه فقد هربا من المخيّم قبل أيّام قليلة، لكنّ جدّه، مع ذلك، رفض مغادرة المنزل الوحيد الّذي تبقّى له. 

أسوة بالعديد من اللّاجئين الفلسطينيّين الآخرين، تمسّك جدّ قطناني بحقّه في العودة إلى فلسطين. ولكن حتّى الآن، لم يُمنح أيّ فلسطينيّ هذا الحق. تمّ توزيع مئات الآلاف من اللّاجئين الفلسطينيّين في المخيّمات في لبنان. كانت المخيّمات غير صالحة للسّكن: تفتقر إلى البنى التحتيّة المستدامة والخدمات الصّحّيّة أو التّعليميّة أو أي فرص عمل لائقة. إضافة إلى ذلك، حرمت الحكومة اللّبنانيّة الفلسطينيّين من الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة. 

على الرّغم من هذه الظّروف القاسية، لم ينشأ قطناني كشخص مرير أو متشائم. فلجأ هذا الأخير إلى الفنّ والتّعليم للتّعبير عن إحباطه، ولكن بنظرة إيجابيّة ومستقبليّة للحياة. فهذا الفنّان الماهر يؤمن بالتّفاعل الثّقافيّ وتجاوز الحدود عبر الفن. يتناول عمله، الّذي يمتد من الكاريكاتير وفنّ الشّارع إلى النّحت والتّركيب، موضوعات مثل التّهجير والحدود والاختراق والحرّيّة. يظهر جليًّا حضور فلسطين دائمًا في أعمال قطناني وأصبحت رمزًا لجميع المشرّدين في العالم.

للحفاظ على آماله، رسم قطناني خلال مراهقته جداريّات ملوّنة في مخيم اللّاجئين. ورسم النّصوص الغرافيتيّة العفويّة ورسم الأشكال الأيقونيّة الوطنيّة مثل الفدائيّ وقبّة الصّخرة. في عام 2004، ولتشجيع الفنّ الجماعيّ وإضفاء الحياة على المخيّم، رسم قطناني، مع مجموعة من اللّاجئين الشّباب، أكثر من تسعين جداريّة على جدران مخيّم صبرا . بالإضافة إلى الغرافيتي، رسم قطناني العديد من الكاريكاتيرات المستوحاة من رسّام الكاريكاتير السّياسيّ الفلسطينيّ ناجي العلي حيث تناول قطناني القضيّة الفلسطينيّة بشكل غير عنيف.

منذ بداية طريقه الفنّيّ، تميّز أسلوب قطناني بأنّه غير تقليديّ. انتمى إلى أفكار ليبراليّة دفعته إلى نتاج فنّيّ أكثر تعبيرًا. بين عامي 2008 و2010، أنشأ مجموعة من التّراكيب تضمّنت ألواحًا معدنيّة من الزّنك وأدوات المطبخ والملابس المستعملة ومشابك الغسيل؛ جميعها مواد جمعها من المخيم. عند النّظرة الأولى، قد تبدو المواد كأنّها خردة، لكنّها بالنّسبة له تمثّل أدوات البقاء بالنّسبة للّاجئ: مأوى، طعام، وملابس. في بعض الأحيان، ولإضفاء الحيويّة على الصّورة، كان يضيف لمسات من طلاء الرّشّ الملوّن إلى الشّكل النّهائيّ، مثل تركيبه الجميل "المخيّم الشّهيد" عام 2008 . يتميّز هذا العمل بمجموعة من الأقمشة الزّاهية، وكوفيّة، ومشابك غسيل منتشرة ومندمجة حول شكل إنسان مقطوع من صفيحة معدنية مموّجة. وعلى الرّغم من أنّ أعماله تتردّد مع اللّوحات القماشيّة غير المؤطّرة المألوفة لحركة "الدعم/السّطوح" الفنّيّة والأشياء الجاهزة الموجودة في التّركيبات الفنّيّة لحركة "الواقعيّة الجديدة" ، إلّا أنّ فنّ قطناني الفوضويّ لا يرتبط بأيّ من تلك الحركات. ومع ذلك، يعجب قطناني بفنّ التّعبيريّة التّجريديّة لروبرت راوشنبرغ والفنّان الواقعيّ الجديد أرمان.

يضع قطناني غالبًا، على منحوتاته المعدنيّة، أغطية زجاجات بيبسي كولا عند تقاطعات أجزاء الجسم، وخاصّة المفاصل. يستلهم هذا من تجربة طفوليّة حيث كان يساعد والده في تركيب أسقف من ألواح الزّنك المموّجة على الغرف الخرسانيّة للّاجئين، فبدلاً من المسامير المعدنيّة الّتي كانت مفقودة، كانوا يستخدمون أغطية زجاجات بيبسي كولا عند نقاط التّثبيت ويضعون مسمارًا في وسط كل غطاء، على أمل أن يبقى السّقف مستقرًا.

يُعَدُّ أطفال مخيّم صبرا للّاجئين أحد أهمّ مصادر إلهام قطناني، ففي الأزقّة الضّيّقة والرّطبة والمزدحمة، كان الأطفال يصنعون ألعابهم من القمامة. كان قطناني يلعب مع الأطفال ويصوّرهم. كان يقتطع صورهم المكبّرة من ألواح الزّنك المموّجة. على هذه الشّخصيّات، كان يضيف ملحقات مثل شريط أحمر، أو قبّعة حمراء، أو تنّورة زرقاء، أو كيس قفز أخضر مقطوع من براميل النّفط الخام المسطّحة الّتي تمّ العثور عليها في ساحات الخردة.

فعلى سبيل المثال، يجمع قطناني شخصيّاته في تركيب جداريّ مكوّن من أربع قطع في عمله الفنّيّ المؤثّر "بعد ستّة أيّام وسنعود إن شاء الله" المنفّذ عام 2011 . يعرض التّركيب عائلة مهجّرة مكوّنة من ستّة أفراد، يتبع صبّيّ صغير أمّه وأباه بينما يحمل كلّ منهما طفلًا صغيرًا حيث تقود فتاة أكبر المجموعة. يحمل البالغون على أكتافهم وفوق رؤوسهم أكياسًا مصنوعة من قماش الخيش محشوّة بالإمدادات وأدوات المطبخ. بشكل مؤثّر، يتدلّى على خصر الأب مجموعة من المفاتيح في إشارة إلى حقّ العودة. إنّ شخصيّات قطناني من اللّاجئين ثابتة وبلا وجوه، وهم مصنوعون من ألواح معدنيّة ويتحمّلون مستقبلهم غير المؤكد.

في فئة "الأطفال والأسلاك الشّائكة" من تركيباته المنفّذة بين عامي 2011 و 2017، يضيف قطناني الأسلاك الشّائكة إلى أعماله ويتوقّف عن استخدام الطّلاء. يلتزم بالألوان المعدنيّة الأصليّة لبراميل النّفط الخام، مثل الأحمر والأزرق والأخضر. غالبًا ما يطبّق قطناني الحمض على ألواح الزّنك الملمّعة لتخفيف تأثيرها اللامع . ومع ذلك، لا يمانع الأسطح اللّامعة لبراميل النّفط الخام الّتي كانت لا تقدّر بثمنٍ. في بعض التّراكيب الّتي يظهر فيها الأطفال يلعبون، يضع قطناني سلكًا ليبدو مثل حبل القفز أو خيط الطّائرة الورقيّة. أحيانًا ينسج الأسلاك الشّائكة في قرص دائريّ كبير ويعرضه كسجّادة يجلس عليها الأطفال.

في المراحل الأولى من مسيرة قطناني الفنّيّة، كانت المواد هي الّتي تحرّك الموضوعات. مع مرور الوقت، أصبحت الموضوعات أكثر تركيزًا والمواد تمّ اختيارها بشكل متعمّد. ومع ذلك، بقي شيء واحد ثابتًا؛ لم يغادر قطناني المعدن أبدًا. يعبّر قطناني عن الأمر قائلًا: "أنا والمعدن واحد [...] فالتّباين بين النّاعم والقاسي، الطّيّع والشّائك، يلهمني، خصوصًا في الأسلاك الشّائكة." كانت الأسلاك الشّائكة طريقته في وصف الحياة المتنازعة للّاجئين أو المهاجرين.

مؤخّرًا، وبعد أزمة اللّاجئين السّوريّين، تحوّل قطناني إلى مواضيع أوسع تتعلّق بالهجرة إلى أوروبا عبر البحر. يُعبّر عن هذا الموضوع بشكل مؤثّر في مجموعة من المنحوتات المتموّجة الّتي ترمز إلى البحر والمصنوعة من قطعة كبيرة من الأسلاك الشّائكة المنسوجة، يتراوح طولها بين مترين وثمانية أمتار. بالإضافة إلى ذلك، يعبّر قطناني عن حالة "الوقوف في فراغ من دون معرفة ما يخبّئه المستقبل"، كما يقول، في منحوتات تشبه الإعصار. يُعَدُّ "إعصار"، 2015 تركيبًا مذهلًا معلّقًا على السّقف ومصنوعًا يدويًّا من الأسلاك الشّائكة المنسوجة. العمود الدّوّار بارتفاع ثلاثة أمتار ووزن مئتي كيلوغرام يقف خمسة سنتيمترات فوق الأرض ويدور من حوافٍ ضيّقة إلى أوسع. الحجم الهائل والتّأثير البصريّ المتدفّق واللّولبيّ، سواء في الموجة أو الإعصار، يوحي برغبة في التّغيير أو ربّما بالثّورة. علاوة على ذلك، يتمّ تنفيذ كلا العملَيْنِ بمواد استفزازيّة ترمز إلى التّقييد.

إنّ الحدود، سواء أكانت مادّيّة أو لا، هي موضوع متكرّر في ممارسات قطناني الفنّيّة. استنادًا إلى عرض فرديّ سابق بعنوان "بلا عنوان" عُرض في المعهد الفرنسيّ عام 2012 في بيروت، بنى قطناني هيكلًا كبيرًا يحاكي المخيّمات، وعُرِضَ في معرضٍ فرديّ له بعنوان "عاصفة الدّماغ" في عام 2019 في صالة صالح بركات في بيروت. أنشأ قطناني نموذجًا حقيقيًا للأماكن المزدحمة والضّيّقة في مخيمات اللّاجئين، حيث كان النّاس بالكاد يمكن تمييزهم. إنّ التّركيب الضّخم، بارتفاع ثلاثة أمتار مع أبواب ونوافذ وأزقّة، مصنوع من براميل النّفط الخام الملوّنة المسطّحة، وألواح الزّنك المموّجة الفضّيّة، وجالونات السّمن النّحاسيّة، والدّعامات الخشبيّة. يتجوّل نظر المشاهد عبر الممرّات الضّيّقة المكتظّة لهذا التّركيب، وتجعله المرايا المبطّنة على جانبي الممرّ الرئيسيّ يرى انعكاسه. ومع ذلك، ممّا يبدو أنّه دائرة مغلقة، يجد قطناني مخرجًا يكسر الحدود الضّيّقة للمخيم. 

في مشاريع أخرى مستوحاة من السّياسة، يأخذ قطناني ملامح الوجوه لزعماء سياسيّين عرب مستبدّين بارزين وينحتها من براميل النّفط الخام. تشمل المجموعة الملك عبد العزيز آل سعود، ومعمّر القذّافي، وجمال عبد الناصر، ومحمّد مصدق، وصدّام حسين، من بين آخرين. بعض هؤلاء الزّعماء السّياسيّين موّلوا مشاريع سياسيّة تهدّد حقوق الفلسطينيّين. يشير هذا المزيج أيضًا إلى مركزيّة البترودولار والدّولة الريعيّة في الشّرق الأوسط. 

 

بعد حصوله على جواز سفر فرنسيّ في عام 2019، يعيش قطناني الآن متنقّلًا بين باريس وبيروت. إنّ اللّاجئ الّذي عاش طوال حياته في مخيَمَي صبرا وشاتيلا وعمل فيهما "حقّق حلمه"، كما يقول. انتقل مؤخرًا مع والديه وأخواته إلى مكان جديد في الدّبّيّة، وهي قرية لبنانيّة في جبال قضاء الشّوف. أنشأ هناك استوديو جديدًا، ولكن لا يزال الاستوديو الخاصّ به في صبرا موجودًا أيضًا.

 

Works
Tornado, 2015